مع تصاعد التوترات الدولية واحتدام الأزمات في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، يثار تساؤل حتمي حول دور الإدارة الأمريكية الحالية، بقيادة الرئيس جو بايدن، في رسم ملامح هذا المشهد المتأزم. فمنذ تولي بايدن السلطة، كان هناك تصور عالمي بأن إدارته جاءت لتصحيح المسار الذي وُصِف بأنه فوضوي خلال فترة دونالد ترامب. ولكن الواقع يشير إلى مشهد أكثر اضطراباً، مع تفاقم الصراعات وارتفاع احتمالات التصعيد العسكري، بما في ذلك احتمالات خطيرة لاستخدام الأسلحة النووية، وسط دعم أمريكي مستمر للحروب في مناطق مشتعلة مثل أوكرانيا وفلس$طين ولبنا$ن.
ففي أوكرانيا.. والتي تعتبر نقطة اشتعال قد تتحول إلى صراع ن-ووي
حيث أحدث التحركات الأمريكية بدعم أوكرانيا بأس$لحة بعيدة المدى لاستهداف العمق الروسي، أعادت خلط الأوراق في صراع يقترب شيئاً فشيئاً من حافة الهاوية. موسكو، التي كررت تحذيراتها بأن أي هجوم يصل إلى أراضيها السيادية سيقابل برد نووي “غير مسبوق”، تجد نفسها اليوم أمام خيارات محدودة للتعامل مع تصعيد يعتبره الكرملين تهديداً وجودياً. هذا النوع من الصراعات ينقل التوتر من مرحلة المواجهة التقليدية إلى مخاطر لا يمكن احتواؤها، خاصة مع امتلاك الطرفين ترسانات نووية ضخمة قادرة على ت$دمير الكوكب في دقائق.
الشرق الأوسط.. صراعات تزداد اشتعالاً بدعم أمريكي
التوترات لم تقتصر على أوروبا الشرقية، بل امتدت إلى الشرق الأوسط، حيث أصبح دعم إدارة بايدن لإس$رائيل جزءاً أساسياً من معادلة الصراع في المنطقة. العدوان الإس$رائيلي الأخير على غزة ولبنان لم يكن إلا جزءاً من سلسلة عمليات عسكرية مدعومة سياسياً وعسكرياً من واشنطن. دعم الولايات المتحدة غير المشروط لإس$رائيل يمنح الأخيرة ضوءاً أخضر لتوسيع عملياتها، ليس فقط في غزة بل أيضاً في لبنان، مما ينذر بتوسيع دائرة الصراع.
فالح$رب الإس$رائيلية على قطاع غزة تهدد بتفجير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بشكل أكبر كما أن سياسة الع$قاب الجماعي للشعب الفلس$طيني، وفرض الحصار، واستهداف المدنيين، ومنع دخول المساعدات لا تقتصر على كونها انتهاكات صارخة للقانون الدولي، بل تزيد من احتمالات اندلاع حرب إقليمية كبرى
وأما عن لبنان، الذي يعاني بالفعل من أزمات سياسية واقتصادية خانقة، أصبح ساحة مواجهة جديدة مع إسرائيل، خصوصاً مع تصاعد التورات والقتال بين “حزب الله” وإس$رائيل. الدعم الأمريكي لإس$رائيل في هذه العمليات قد يدفع القوى الإقليمية الأخرى، مثل إيران، إلى التدخل المباشر وليست حرب بالوكالة ويتم استخدام السلاح الن$ووي الإي$راني ، مما يهدد بإشعال ح$رب ن$ووية شاملة مابين إس$رائيل وايران وقد تمتد لتشمل دولاً أخرى في المنطقة وهذا ما حذر منه الرئيس عبد الفتاح السيسي من قبل لوقف الح$رب على غ$زة خوفا من ان تتوسع الي ح$رب إقليمية وهذا مانراه الان يحدث.
ومع تصاعد خطاب التصعيد الإس$رائيلي ضد إيران، تزداد المخاوف من مواجهة مباشرة بين الطرفين، قد تتضمن استخدام الأس$لحة الن$ووية أو التهديد بها. إس$رائيل، التي تعتبر واحدة من القوى الن$ووية غير المعلنة في العالم، قد تجد نفسها في مواجهة مع إيران، التي تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال حلفائها في اليمن ولبنان وسوريا. هذه التطورات تضع المنطقة بأكملها أمام خطر غير مسبوق.
العالم أمام شبح “النهاية الن$ووية”
المخاطر الن$ووية التي تلوح في الأفق لا يمكن الاستهانة بها، فالعالم يعيش حالياً في ظل واحدة من أخطر المراحل منذ أزمة الص$واريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي. اليوم، يبدو أن قواعد الردع التقليدية التي حافظت على السلام الن$ووي لعقود تتآكل بفعل التصعيد غير المسبوق. التصريحات المتكررة من موسكو عن استعدادها لاستخدام الس$لاح الن$ووي إذا تعرضت سيادتها للخطر، إلى جانب الإصرار الأمريكي على التصعيد العسكري عبر وكلائها، يجعل المشهد مفتوحاً على كل الاحتمالات الكارثية.
كما أن تصعيد الأزمات بشكل متزامن في أكثر من منطقة يثير تساؤلات حول استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية. في ظل السياسات التي تعتمدها إدارة بايدن، يبدو أن الهدف ليس فقط إدارة الصراعات، بل تأجيجها للوصول إلى حالة من الفوضى الشاملة التي قد تفرض واقعاً جديداً يخدم مصالح معينة. لكن الفوضى هذه المرة تأتي محملة بمخاطر وجودية تهدد ليس فقط الأنظمة الدولية، بل البشرية بأكملها.
ومع اقتراب انتهاء ولاية بايدن في يناير 2025، يبدو أن هناك سباقاً مع الزمن لإعادة رسم خارطة التحالفات الدولية، ولو على حساب الاستقرار العالمي. الإدارة الأمريكية الحالية قد تسعى لترك إرث سياسي يضمن استمرار سيطرتها، ولكن الثمن قد يكون باهظاً إلى حد لا يمكن التنبؤ بتبعاته، خاصة مع انخراط قوى ن$ووية في صراعات مباشرة أو بالوكالة.
وبالرغم من هذا التصعيد، لا يزال هناك أمل في تفعيل القنوات الدبلوماسية وإعادة ضبط الأوضاع. المجتمع الدولي، بقيادة القوى الكبرى، بحاجة إلى التحرك سريعاً لإيقاف هذا الانزلاق الخطير نحو حافة الكارثة الن$ووية. فالمخاطر الحالية ليست مجرد تهديدات نظرية، بل هي واقع ملموس قد يتجلى في أي لحظة.
الان يقف العالم أمام مفترق طرق. إما أن تنتصر الحكمة السياسية لإنقاذ البشرية من أخطر تهديد منذ الح$رب العالمية الثانية، أو أن تُترك الأمور لتتفاقم حتى تصل إلى مرحلة لا عودة فيها. الخيار واضح، ولكن الإرادة السياسية تظل العامل الحاسم.