الرئيس عبد الفتاح السيسى

ننشر نص كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال أعمال الجلسة الرابعة للمنتدى العالمي للتعافي من الجائحة

السيدات والسادة،
أتقدم بالشكر لمنظمة العمل الدولية على تنظيم هذا الحدث المهم الذي يجمع بين رؤساء الدول والحكومات بوصفهم المسئولين عن صياغة وتنفيذ سياسات دولهم الوطنية، وبين قادة عدد من أهم المنظمات والبنوك ومؤسسات التمويل الدولية الذين تساهم شراكتهم مع الحكومات، في صياغة التوجهات العالمية لشتى القضايا الدولية التي تهمنا وتؤثر على شعوبنا ومستقبلنا، فضلاً عن ممثلي العمال وأصحاب الأعمال، والذين يضطلعون بدور بالغ الأهمية في عالم أصبحنا ندرك فيه جميعاً حجم التداخل بين الأزمات الدولية المختلفة ومدى التأثير الواسع لها على كافة مناحي الحياة.

الرئيس عبد الفتاح السيسى

من هذا المنطلق، فلقد حرصت على أن أشارك معكم اليوم في هذا الحوار المهم حول التعافي من الجائحة، ومستقبل النظام الدولي في عالم جديد، آخذ في التشكل أمامنا يوماً بعد يوم؛ فبعد أكثر من عامين على بداية أزمة دولية عصفت بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتجاوزت في تأثيرها أكثر أزمات العالم فداحة، أظنكم ستتفقون معي أن أي محاولات للتغلب على تداعيات تلك الأزمة، لابد وأن يكون الإنسان محورها الرئيسي؛ فلقد كانت جائحة كورونا – ولا تزال – أزمة إنسانية بوجه عام، لا أزمة صحية فقط أو اقتصادية أو اجتماعية فحسب.
ولقد استطاعت مصر، تجاوز الكثير من تبعات أزمة كورونا على مدار العامين الماضيين، من خلال سياسات مالية واقتصادية واجتماعية، أثبتت نجاحها وفاعليتها، ونبذل في الوقت الراهن جهوداً شهدت لها مختلف الأطراف الدولية مكنتنا من تحقيق معدلات نمو إيجابية، رغم كافة الصعاب التي واجهناها، ولا نزال، وساهمت في إيجاد حالة من الاستقرار والثقة الدولية، في قدرة الاقتصاد المصري على الصمود، وامتصاص الأزمات وتجاوزها، بل واستطاعت مصر أيضاً رغم الأزمة أن تنفذ مبادرات طموحة لرفع مستوى معيشة المواطن في الريف والمناطق الأكثر احتياجاً، من خلال مبادرة حياة كريمة، ومد شبكة الضمان الاجتماعي لمئات الآلاف من الأسر، من خلال برنامج تكافل وكرامة مما ساهم في تخفيف عبء الجائحة، فضلاً عما تبذله مصر من جهود لتعزيز الشمول المالي ودمج الاقتصاد غير الرسمي والرقمنة.
السيدات والسادة،
تقتضي منا الصراحة التسليم بأن تلك الأزمة قد كشفت بشكل جلي عن مواطن ضعف ببعض جوانب المنظومة الدولية، يتعين علينا التوقف عندها وبحثها، بغية إيجاد حلول فعالة للتغلب عليها.
ولهذا، أود أن يكون حديثي معكم اليوم حول مستقبل النظام الدولي خلال السنوات القادمة وقدرته على الاستجابة للأزمات العالمية الطارئة وتبعاتها متعددة الأبعاد. واسمحوا لي في هذا الصدد أن أطرح عليكم مجموعة من التساؤلات:
هل يمكن لنا تحمل تبعات استمرار وجود نحو 61% من قوة العمل في العالم في عداد الاقتصاد غير الرسمي، فضلاً عن افتقار نحو 4 مليار إنسان للضمان الاجتماعي؟
إذا كانت الإجابة بلا، وأظنها كذلك، يصبح التساؤل المنطقي الثاني: هل لدينا القدرة على الخروج – جماعياً من الأزمة والتطلع إلى مستقبل أفضل؟
وإذا كانت الإجابة نعم، وأظننا نريدها كذلك، فأي طريق نسلك؟ هل نستمر على السياسات القديمة أم نحاول البحث عن سياسات جديدة؟
واسمحوا لي أيضاً أن أضع أمامكم عدداً من النقاط التي قد تساهم في النقاش حول هذه التساؤلات:
أولاً: أننا وقد اتفقنا على صعوبة الاستمرار على الوضع الحالي، فعلينا أن نتفق كذلك على أنه لا خروج من هذه الأزمة دون سياسات متكاملة وآليات فاعلة لتنفيذها وقدرة مالية على ذلك، وتلك تحديات ستجد الكثير من الدول النامية والأقل نموا صعوبات جمة في تجاوزها.
ثانياً: أن التعافي من الأزمة ممكن إذا توافرت الإرادة الدولية الصادقة والتزمت جميع الأطراف بمبدأ تقاسم الأعباء والمسئوليات، في إطار من الشراكة الدولية الحقيقية ذات الآليات الواضحة والمسئوليات المحددة.
ثالثاً: إن إعادة ترتيب الأولويات التي عادة ما تصاحب مراحل ما بعد الأزمات لابد ألا تنتهي بنا إلى مسارات متباينة يكون من شأنها عرقلة مساعينا الجماعية لبلوغ أهداف التنمية المستدامة، أو إضعاف الثقة التي وضعناها جميعاً في هذه الأهداف وآليات تنفيذها، بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
رابعاً: أهمية دور المؤسسات والمنظمات الدولية في صياغة سياسات للعمل تستطيع إيجاد حلول لمشكلات اجتماعية تنشأ وتتطور بسرعة، بشكل ربما يتجاوز قدرة المنظومة الدولية الحالية على مواكبتها والتكيف معها.
وأود هنا الإشارة إلى محورية ما تقوم به منظمة العمل الدولية في هذا السياق، خاصة “النداء العالمي للتعافي الشامل والمستدام” الذي أقره مؤتمر العمل الدولي في ٢٠٢١ ليكون منهاج عمل واضح لكافة الأطراف في سبيل تحقيق تعافٍ شامل ومستدام محوره الإنسان.
السيدات والسادة،
إن أزمة المناخ العالمية وتبعاتها السلبية ألقت بدون شك بظلالها على جهود دولنا في التعافي من الجائحة وتجاوز تأثيراتها المتعددة، خاصة في الدول النامية. وعلى الرغم من ذلك، فإن عالمنا اليوم لا يملك رفاهية الانتظار أو التقاعس عن القيام بالجهد المطلوب لمواجهة تغير المناخ ودرء آثاره.
ومن ثم، فإنني أؤكد مجددا على ضرورة إيجاد السبل الكفيلة بتمكين الدول النامية من الوفاء بالتزاماتها ورفع طموح عملها المناخي وفقاً لاتفاق باريس، دون الإخلال بمبادئ الإنصاف وعدالة الانتقال، مع توفير الحماية الاجتماعية ودعم جهود تحقيق التنمية والقضاء على الفقر. وإن ذلك لن يتأتى دون توفير بيئة دولية مواتية تساهم في حشد التمويل اللازم للدول النامية لدعم جهودها لمواجهة تغير المناخ والتكيف مع آثاره وبناء القدرة على تحملها، مع وضع التعهدات موضع التنفيذ وتقليص الفجوات التي يواجهها عمل المناخ الدولي على كافة الأصعدة. وهذا هو بعض ما نصبو إلى تحقيقه خلال رئاسة مصر لقمة المناخ القادمة في شرم الشيخ نهاية العام الجاري، وسنعمل مع كافة الأطراف بحياد وشفافية في سبيل ذلك.
ختاماً، فإنني أتطلع لتلقي الخلاصات والنتائج التي ستصدر عن المنتدى، والتي ستعكس النقاشات والمداولات القيمة التي دارت خلاله، وإنني لعلى ثقة أنها ستساهم في تعزيز فهمنا لحجم وأبعاد المشكلة العالمية التي نواجهها وسبل المضي قدما نحو إيجاد حلول ناجعة لها تحقق تطلعات شعوبنا وآمالها المشروعة.
وشكراً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *