بقلم د أحمد طاهر .
جاء خطاب الرئيس الكازاخى قاسم توكاييف أمام مجلس النواب الكازاخى بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الجديد، محملا بالعديد من الرسائل الإيجابية للشعب الكازاخى، خاصة وأن هذا الخطاب اكتسب أهمية إضافية كونه صادف هذا العام الاحتفال بالذكرى الثلاثين لاستقلال جمهورية كازاخستان في أوائل تسعينيات القرن المنصرم عقب تفكك المنظومة الاشتراكية.
والحقيقة ان هذا الخطاب يعد وثيقة عمل مهمة لاستكمال مسار خطوات المستقبل، إذ رسم خلاله الرئيس توكاييف أولويات الدولة الكازاخية، حيث تركزت في سبع ملفات رئيسية، بدأت بالملف الاقتصادى التنموى، والذى شمل عدة جوانب مهمة متعلقة بما حققته الدولة من إنجازات اقتصادية متنوعة في مختلف القطاعات الإنتاجية كالقطاع الزراعى والتعدينى والصناعى، مشيرا في خطابه إلى ما تم اطلاقه من برامج اقتصادية عديدة مكنت الدولة من تخفيف أعباء وتداعيات تفشى جائحة كوفيد 19، وكان من أبرز ما تم في هذا الخصوص الحرص على جذب المزيد من الاستثمار المباشر من خلال اتفاقية الاستثمار الاستراتيجي، كما كان لبرنامج اقتصاديات الأشياء البسيطة وبرنامج خريطة طريق الاعمال دورا مهما في تعزيز القدرات الاقتصادية للدولة، بما دفع الرئيس إلى تمديد العمل بهما حتى عام 2022 بهدف تخفيف تداعيات الجائحة.
وفى السياق ذاته، أشار الرئيس إلى الدور المتميز الذى لعبه برنامج الاستخدام المبكر لمدخرات التقاعد الهادف إلى تخفيف المعاناة عن كاهل المواطن في مواجهة آثار الجائحة.
وغنى عن القول إن الرئيس رغم اشارته إلى ما تحقق من منجزات في القطاع الاقتصادى، إلا أنه أيضا كان حريصا على المصداقية والصراحة في خطابه بعيدا عن لغة المجاملات والكلمات الرنانة كما أكد هو على ذلك. ولذا جاء توجيه الواضح في اشارته إلى ان ثمة تضارب في السياسة الزراعية بسبب تغير الوزارات، وهو ما يتطلب معالجة جذرية من خلال تبنى استراتيجيات واضحة ومتكاملة. وفى هذا الخصوص، طرح الرئيس حزمة من المطالب على الحكومة ضرورة الالتزام بتنفيذها، بدءا من أهمية وجود قواعد إدارة المالية العامة والدين العام، مع ضرورة اصدار بعض التشريعات الناظمة في المجال الاقتصادى منها قانون السياسة الصناعية، قانون المزارع الشخصية الفرعية، هذا إلى جانب العمل على تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومى، من دون ان يؤثر ذلك على الاهتمام بهذا القطاع النفطي والتعدينى إلى جانب القطاعات الأخرى، ولذا طالب بضرورة وجود مسح جيولوجى وطنى.
وارتباطا بضمان العمل على نجاح إدارة الدولة في ملفاتها الاقتصادية، اكد الرئيس على أهمية أن تستكمل الحكومة اصلاحات هيكلها الادارى في مختلف المؤسسات الحكومية.
كما شملت الأولويات التي حددها الرئيس أيضا ما اطلق عليه الرقمنة العميقة وما يتطلبه ذلك من أهمية رعاية قطاع تكنولوجيا المعلومات من خلال تمكين الحكومة الرقمية، ومع التواصل بين الشركات الوطنية ومجتمع تكنولوجيا المعلومات، إلى جانب أهمية العمل على الربط بين خطوط نقل البيانات والممرات الدولية. وامتدت هذه الأولويات إلى قطاع الرعاية الصحية الذى شهد اهتماما كبيرا بسبب تفشى جائحة كوفيد 19، ذلك الاهتمام الذى تجسد في نجاح كازاخستان من بين دول قلائل في انتاج لقاح خاص بها تحت مسمى Qaz Vac، هذا إلى جانب انشاء نظام وطنى للتنبؤ بالسلامة الاحيائية في البلاد ضمن المشروع الوطنى المعنون “أمة صحية”.
وفى هذا الخصوص حرص الرئيس قاسم توكاييف أن يؤكد على العلاقة الارتباطية بين الصحة والرياضة حينما ذكر بشكل واضح أن مفتاح الصحة هو الثقافة البدنية.
وفى قطاع آخر مثّل أولوية في سياسات الدولة، جاء قطاع التعليم ذي الجودة والهادف إلى العمل على تطوير المنظومة التعليمية الشاملة، بدءا من تطوير المناهج مرورا بالمدارس والانشاءات وصولا إلى المعلم قائد العملية التعليمية.
وإلى جانب ذلك، جاءت أولوية تحسين السياسات الإقليمية انطلاقا من مبدأ الدولة المنصتة والذى يعنى أن الدولة تعمل كجهاز لصالح المواطنين، وهو ما استوجب العمل على تقليل الاختلالات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع زيادة الاستقلال المالى للأقاليم المختلفة. وارتباطا بهذه الأولوية جاءت الأولوية التالية لتؤكد على أهمية تشكيل نظام بيئى فعال في سوق العمل، وما يتطلبه ذلك كما أشار الرئيس من أهمية اصدار قانون المؤهلات المهنية الهادف إلى تنظيم قضايا الاعتراف بالمؤهلات، وحفز المواطنين على تحسين كفاءتهم، إلى جانب وضع مناهج جديدة للتعامل مع قضايا تنقل العمالة الداخلية.
ولم يقتصر الأمر على ما سبق فحسب، بل جاءت أولوية استكمال خطط التحديث السياسى وحماية حقوق الانسان، ضمن الأولويات المدرجة على أجندة الدولة التي شهدت إنجازات عدة بدءا من ادخال الانتخاب المباشر للحكام الريفيين، مرورا بتطوير الثقافة المدنية وزيادة حصة تمثيل النساء والشباب في القوائم الانتخابية للأحزاب لتصل إلى 30%، وصولا إلى وضع الخطة الشاملة لحماية حقوق الانسان.
ولم يكن هذا كافيا، بل ثمة حاجة إلى الاستمرار في مسيرة التحديث ليشمل مختلف فئات المجتمع وخاصة ذوى الهمم. كما جاءت أولوية الوحدة في التنوع على رأس أولويات العمل الوطنى، وذلك من خلال تأكيد الرئيس توكاييف على أهمية التصور المتناغم للعلاقات بين الأعراق التي يتكون منها المجتمع الكازاخى، كون هذا التناغم هو أحد الاتجاهات الرئيسة لسياسة دولة كازاخستان، ولتعميق هذا التنوع، اقترح الرئيس مبادرة لإانشاء صندوق لدعم الصناعات الإبداعية.
وغنى عن القول إن كل ما سبق من أولويات وردت في خطاب الرئيس الكازاخى قاسم توكاييف، لم تغن عن اقدامه على طرح العديد من المبادرات السباقة في مجال النهوض بالمواطن الكازاخى وتحسين مستويات معيشته في مواجهة الاحداث الوبائية الأخيرة التي اثرت على حياته وعمله ومستوى معيشته، فتمحورت مبادراته جميعها حول زيادة مستويات الدخول للعاملين في مختلف القطاعات الحكومية والتجارية مع توفير المزيد من السكن لهم، بما يحقق لهم مستويات عالية من الامن والاستقرار النفسى والمادى، إذ ان تحقيق ذلك الاستقرار من شأنه أن يعمق الثقة المتبادلة بين المواطنين وقيادتهم السياسية وحكومتهم الوطنية.
منتهى القول إن خطاب الرئيس قاسم توكاييف خطابا جامعا شاملا لما حققته الدولة الكازاخية من نجاحات وانجازات في مختلف المجالات من ناحية، ولما تسعى إلى تحقيقه في قادم الأيام من ناحية أخرى، وهو ما يتطلب أن تقوم كل مؤسسة من مؤسسات الدولة وأجهزتها المعنية بدراسة ما ورد في هذا الخطاب دراسة علمية دقيقة لما تضمنه من تكليفات وتوجيهات لتحقيق التناغم بين مختلف مؤسسات الدولة ومنعا لحدوث أي تضارب كما حذر من ذلك الرئيس قاسم توكاييف.