روح الكاتب وابدعه

الإبداع هو روح الكاتب وجزء من شخصيته، عين المبدع لا تنقل لنا صورًا من الواقع وإنما تعرض رؤية المبدع لهذا الواقع، سواء كان هذا الإبداع في الكتابة أو الرسم أو النحت أو التصوير الفوتوغرافي، هذه الرؤية تتأثر بعوامل عديدة منها نشأة الكاتب، البيئة التي ترعرع فيها بما تضمه من عادات وتقاليد وثقافة، بحيث لا يمكن الفصل بين شخصية المبدع وخياله فكلاهما ينصهران في بوتقة واحدة ليخرج لنا منتج يحمل بصمة المبدع وجزء من تكوينه.

من خلال مقارنة المرأة في أعمال نجيب محفوظ وروايات إحسان عبد القدوس يظهر واضحًا جليًا تأثير ثقافة ونشأة كل مبدع منهما في نظرته للمرأة وطريقة عرض قضاياها والتعاطي مع مشكلاتها من خلال الأدب، بل وفي تصوير مشاعرها والتعبير عن رغباتها المختلفة، وكانت ظروف حياتهما الشخصية وعلاقاتهما بالمرأة بمثابة مرآة تعكس جزءًا من أفكارهما التي عبرا عنها من خلال الأدب..

يقول نجيب محفوظ.. “الحقيقة أن وضع المرأة في الفترة التي عشتها كان سيئًا للغاية بل وبعيدًا عن العدل والإنصاف”

بالرغم من ذلك لم ينصف نجيب محفوظ المرأة بحكم نشأته في بيئة شعبية حيث المرأة لم تنل حظًا من التعليم، وهي إما الزوجة التي تنحصر حياتها في تلبية طلبات الزوج، أو الأم الحنون التي تهب نفسها لتربية أبنائها، وظهر ذلك من خلال “أمينة” في الثلاثية هذه الشخصية الأيقونة التي أصبحت رمز للمرأة المصرية في وقت من الأوقات. وعلى النقيض من أمينة احتفى نجيب محفوظ في معظم كتاباته بالمرأة الساقطة، لم يبدِ تعاطفًا مع حالتها ولكنه عرضها بصدق وواقعية، مثل شخصية نفيسة في بداية ونهاية، الفتاة التي تحالف عليها الفقر والدمامة لتنجرف للانحراف، وحميدة في زقاق المدق وإحسان في القاهرة الجديدة وريري في السمان والخريف وغيرهن كثيرات، ولا يخلو الأمر من بعض الشخصيات النسائية المكافحة في روايات نجيب محفوظ مثل سوسن الصحفية في رواية السكرية وزهرة في رواية ميرامار ولكنها تظل محاولات قليلة جدًا يحاول فيها نجيب محفوظ عرض الأوضاع السياسية والاجتماعية للمرأة في تلك الفترة.

إحسان عبد القدوس المبدع الذي يقول عنه النقاد انه من أهم الكتاب الذين عبروا عن المرأة في كتابته، نشأ إحسان عبد القدوس في طفولته بين أمه السيدة روز اليوسف التي كانت تتصدر مكانة مهمة في المشهد الثقافي وبين عمته التي تربت على الطريقة التقليدية، خلق ذلك صراعًا داخل إحسان عبد القدوس بين الرغبة في تحرير المرأة المصرية من القيود الاجتماعية وفي ذات الوقت الحفاظ على الشخصية المصرية، فنجد رواياته تعكس ذلك الصراع مثل أنا حرة والطريق المسدود ولا تطفئ الشمس والنظارة السوداء، بطلات إحسان عبد القدوس من طبقة متوسطة أو فوق المتوسطة يتحدين المجتمع ويمتلكن القوة للتعبير عن أنفسهن، وهن مزيجًا بين نساء من نسج الخيال و نساء نشأ الكاتب بينهن وساهمن في تكوين شخصيته.

يتضح لنا في النهاية أن شخصية المبدع لا تنفصل عن إبداعه، إحسان عبد القدوس الرجل الذي نشأ على احترام المرأة وتقديرها يرى في المرأة قوة وقدرة على التحدي والمواجهة ينبغي استغلالها، أما المرأة عند نجيب محفوظ هي شيء على هامش الحياة، وهي في معظم أعماله أضعف من أن تحطم القيود التي تكبلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *